أمنية
من أدب الثورة
يوسف حسن حجازي
كان
يقف بين الأشجار, لا يعلم أين هو بالضبط, لكن الطبيعة الساحرة تسلب لبه, أغمض
عينيه وشعره يتناغم مع النسمات الغضة, بسط ذراعيه في الفضاء وبدأ يحركهما صعودا
وهبوطا, فإذا به يرتفع عن الأرض, نظر في نفسه مندهشا, وأخذ يحرك أكثر ويرتفع أكثر,
ضحك ضحكة جنونية دوى صداها في الآفاق, لا يصدق أنه يطير, وبينما هو في غمرة سروره
رأى سواد بشر, أراد أن يصرف عنهم النظر حتى لا يلوِّث صفاءه, لكنه مال إلى أن
يستكشف حالهم, فهبط بالقرب منهم, فوجدهم في تدافع, ورأى مخلوقًا فظًا ظاهرًا عليهم
ينفث من فمه عسلًا مسمومًا, يسوق أتباعه بالسياط, يجلد بها رؤوسهم, ويسلط على
خصومه كلابًا وحشية تمزقهم دون رحمة, فتعجب مما رأى (يا لنقاء السماء!! ويا لقبح
ما على الأرض!!), وبينما هو يراقب إذا به يسمع صوتًا غليظًا: (إنه هناك, العدو
الذي أفسد وُدَّنا, ودنَّس جَوَّنا, عليكم به.. اقتلوه), فامتطاه الخوف: (أنا!!
أنا.. لا.. لا شأن لي..), وشرعت الكلاب تجري نحوه, فهرب مسرعًا, وبدأ يحرك يديه
ليعود إلى السماء من جديد, لكنه لا يطير: (ما الذي حدث؟ هل نزلت بي لعنة السماء
لأني خالطتهم؟), وحاول ثانية وأخرى وأخرى لكن لا جدوى, وعندما انقطعت أنفاسه واقتربت
الكلاب منه وقف على شفا علو وقفز في رحب الفضاء, وأخذ يحرك يديه فطار من جديد, أما
الكلاب فتهاوت إلى السفح, مسح العرق عن جبينه متنفسًا الصعداء, نظر خلفه فرأى عجبًا,
أسودًا تزأر, والكلاب تتفرق في كل اتجاه, وذلك المخلوق يهوي ويصرخ: (لاااااا,
لااااااا, من أين جئتم أيها الحمقى, سحقًا لكم.. نزلت عليكم لعنة السماء.. نزلت
عليكم لعنة السماء), ثم مضى يشق الفضاء, وبينما هو في دعة ومتعة ارتج جسده بقوة,
(ماذا هناك؟ هل وقعت مصيبة جديدة؟), وأخذ يحرك يديه في كل جانب, وأمه تحاول أن
تسيطر عليه لإيقاظه للذهاب إلى العمل.. (يا إلهي.. إنها رؤيا عجيبة!!), (وماذا
رأيت يا ولدي؟), (ماذا رأيت.. رأيت حال مصر حفظها الله)..
...
(ص.م)