بين الحزب والضمير
الإنسانية على المحك
..
يوسف حسن حجازي
..
-:
بلغتني تقارير أن أبناء هاني أحد القيادات العليا في حزبنا يرتعون في أموال الدولة
كيفما شاؤوا, وأن القائد الكبير فاتح أكل البلد بدعوى تنفيذ مشروعات للحزب.
-:
أجل أيها القائد, وماذا ترى؟
-:
لا بد من محاسبة كل المتجاوزين مهما كانوا..
-: لكن..
-:
هذا مبدئي منذ توليتُ المنصب, وهو مبدأ شرعي وشخصي لن أتخلى عنه..
-: لكن
هذا الأمر أيها القائد أكثر تعقيدًا مما تتصور.
-:
وهل محاربة المتجاوزين أمر معقد؟!
-:
بالطبع لا, إلا إن كان ذلك يمس الكبار.
-: الكبار!!
وهل هناك من يجرؤ منهم على الوقوف في وجهي؟
-:
لا يجرؤ منهم أحد, لكن..
-:
لكن ماذا؟ الحق أكبر من الجميع, ولا أحد فوق القانون..
-:لكنـ..
لكنك ستضع الحزب على شفا الهاوية..
-:
ما الذي تقصده؟
-: في
هذا الوقت يمر حزبنا بعدة أزمات, وعيون الإعلام علينا, فإن أنجزنا حقروا إنجازنا,
وإن أخطأنا ضخموا أخطاءنا..
-:
وما علاقة هذا بما ذكرنا؟
-:
له كل العلاقة سيدي القائد, إنك بالتأكيد لست عاجزًا عن محاربة الفاسدين, لكن
الأمر يتعلق بقيادات عليا في حزبنا, وإن المساس بهم سيؤدي حتمًا إلى زعزعة الحزب,
فلن يسلم من المتربصين به, ولا من المؤيدين له, وسيسوء وجهنا أمام الجميع, ونصبح
مادة للسخرية, ومحلًا للشماتة.
-:
وماذا نصنع؟ هل عليّ أن أرى أولئك وأبقى مكتوف اليدين؟!
-:
في سبيل الحفاظ على الحزب لا بد من أن تضحي بمطلبك هذا..
-:
وهل الحزب سيمنحني راحة إذا ما قلَّبَ علي الضمير راحتي بؤسًا؟
-:
لكن لا تنسى أن الحزب هو الذي أوصلك إلى منصبك هذا, فبفضل الحزب عليك ليس سيئًا أن
تضحي براحتك..
-:
وبم نواجه أتباع الحزب وأنصاره؟
-: الأمر
أبسط مما تظن, الأتباع يساقون ولا يسوقون, سنبرر لهم ما يفعل أولئك, ونذكرهم بمبادئ
حزبنا التي تدعو إلى الثقة في القادة, ونستغل الواقع السياسي ونضرب على وتر
المؤامرة, فندَّعي أن الغرض من تلك التهم إثارة الشكوك حول القادة العظام, والنيل
من حزبنا وثباته على الحق, وما التهم إلا إشاعات يطلقها الخونة والعملاء لحساب
الاحتلال وأجندات خارجية..
-:وهل
سيصدقون ما نقول؟
-
بالطبع, فهم يثقون بنا, وينقادون لنا دون أن يحاولوا ولو للحظة أن يفكروا فيما
نقول, بل بعضهم يتهم نفسه إن فكر أن يشكك في صحة قولنا, ثم إننا قادرون على إثارة
حماستهم الدينية والوطنية, وعندما تسيطر العواطف تكون عين العقل كليلة عن رؤية
الصواب.
-:يبدو
الأمر سهلًا, لكن جرحي سيبقى نازفًا من خنجر الضمير الذي سيظل مغروسًا في روحي ما
حييت.
-:
عدتَ للضمير يا سيدي القائد, دع عنك هذه الأحاسيس الطوباوية, إنا نقود وفق واقعنا,
أليس من الأجدر أن تقدم الحزب على نفسك, وتضحي بضميرك في سبيله؟
-:
ولماذا لا نضحي بأولئك الفاسدين؟ إن الضمير ليس جزءًا مني فحسب, إنه فلذة كبد
الإنسانية, أتريدني أن أذبح الإنسانية على أعتاب الحزب؟
-:
ليس الأمر كذلك, سيدي القائد الإنسانية صنيعة البشر, فالقوي هو من يضع معاييرها,
ويحدد الإنساني من غير الإنساني, الأمر بين يديك سيدي فإما أن تغمض عينيك عما بلغك
فيسلم الحزب وتسلم, وإما أن تستجيب لضعف ضميرك فتذهب بالحزب وبنفسك إلى المجهول..
يخرج
المستشار, ويغرق القائد في صمت مهيب.
يوسف
حسن حجازي
2
يناير 2019